الأربعاء، 26 فبراير 2014



الحلقة الثامنة عشر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : -
أهلاً ومرحباً بكم ، لنكمل حديثنا في كتاب الله المنظور ، فعلى بركة الله نبدأ حلقة اليوم ، 
وسنكمل فيها حديثنا عن الجبال ، فوجود الجبال علي كوكب الأرض نعمة كبيرة ، لا يعلمها كثير من الناس  ، كما أن للجبال فوائدُ عديدة ، علمت البشرية بعضًا منها وهى كالتالي : -

1- الجبال تحفظ توازن حركة الأرض .
 أصبح من المعروف للجميع ، أن الأرض تدور حول نفسها بسرعة 1670 كم / الساعة ، دورة كاملة حول محورها في فترة زمنية تعادل يوماً  ، وطول اليوم عند العوام يساوي 24 ساعة ،  وطول اليوم عند العلماء يساوي 23 ساعة و56 دقيقة و  4،0906 ثانية .
وتدور الأرض حول محورها بحركة مغزلية ، وأي جسم يدورحول نفسه بحركة مغزلية ، من الطبيعي أن يميد و يضطرب ، إلا إذا كان هناك تماثل في الكتلة على جانبى محور
الدوران   ، وحيث  أن الأرض لا تميد فى دورانها ولا تضطرب ، بدليل عدم شعورنا بهذا ، فإنه لابد أن تكون الجبال موزعة على مختلف بقاع الأرض ، بما يكفل لها أن تتماثل في الكتلة على جانبى محور الدوران ، وهو ما يتفق مع علم الجيولوجيا الحديث ، قال الله تعالى : - ( وجعلنا في الأرض رواسى أن تميد بكم ) سورة الأنبياء أية 31 .

2 - الجبال مصدر الماء العذب والأنهار .
قال الله تعالى : - ( وجعلنا فيها رواسى شامخات وأسقيناكم ماءاً فراتاً ) سورة المرسلات
أية 27 ، هذه الأية تحتوى على معجزة علمية ، لأنها تربط بين الجبال العاليات بالذات ، وبين الماء العذب في الأنهار ، وهو ما يشير إلى ظاهرة الثلج الدائم ، الذي يتراكم على قمم الجبال ، وتكون درجات الحرارة فيها دائماً تحت الصفر إذا زاد إرتفاع الجبل عن حد معين ، وهذا يتوقف علي موقع الجبل من خط الإستواء ، فمثلاً تظهر الثلوج الدائمة على إرتفاع 1،2 كم على الجبال في النرويج  ، كما تظهر الثلوج الدائمة علي جبال الألب علي إرتفاع 2،7 كم ، وعلي جبال وسط أفريقيا علي إرتفاع 5،5 كم ، إن ظاهرة تراكم الثلوج بشكل مستمر فوق قمم الجبال الشوامخ ، لها الفضل بعد الله سبحانه و تعالي في تغذية الأنهار بالماء العذب ، نتيجة لذوبان بعض الثلج بإستمرار ، لضغط طبقاته العليا علي طبقاته  السفلى .




سؤال : - هل تنفذ هذه الثلوج بإستمرار ذوبانها ؟ .
الإجابة : - لا تنفذ ، لأنها كما تسيل بإستمرار تتجدد أيضاً بإستمرار ، بتكثيف بخار الماء الموجود دائماً في الجو المحيط بقمم الجبال ، ولولا هذه الظاهرة العجيبة لجفت الأنهار، 
عندما ينتهي موسم الأمطار عند منابعها ، ولذلك لا يوجد نهر بدون جبال عالية شامخة ، فلولا الجبال لما كانت الأنهار ، فالجبال منابع الأنهار ، ولقد جاءت كلمة ماء نكره في الأية الكريمة لتفيد العموم ، بحيث يشمل الماء الناتج عن الأمطار ، والماء المنحدر من  
الرواسي الشامخات .

 3 - الجبال مصدر نفاس المعادن وكرام الأحجار
فمن أين نحصل على المعادن النفيسة كالذهب والفضة ؟ ، بل والمعادن العادية كالحديد والنحاس والرصاص والألمونيوم ؟ ، ومن أين نحصل على الأحجار الكريمة كالزمرد ، والعقيق ، والياقوت ؟ ، ومن أين نحصل على الأحجار التي نستخدمها في البناء كالحجر الجيري ، والجرانيت ، والرخام ، فضلاً على الرمل ، والحصباء ؟ . 
نحصل على كل ذلك وغيره من الجبال ، نعم فالجبال هى مخزون رباني ، لكل تلك الثروات .

4 - الجبال تعمل علي تثبيت قشرة الأرض في وشاحها .
إن أول شيء خلقه الله بعد الأرض ، كان خلق الجبال وخاصة البركانية منها ، وهذا الإكتشاف كان سبب في إسلام عالم كبير يسمى موريس بوكاى جراح فرنسي
فالجبال تعمل على تثبيت قشرة الأرض في طبقة الوشاح ، كما ذكرت في الحلقة السابقة .

5 - الجبال تثبت الغلاف الجوي
قال الله تعالى : - ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا ) سورة النبأ آيات 6 ،7 .
الأوتاد معروفة للجميع ، يستخدمها الإنسان في تثيبت الأشياء في الأرض كالخيمة ، تعالو ننظرإلى الخيمة ، فهي عبارة عن قماشة الخيمة ، وعامود في المنتصف يرفعها لأعلى ، وأوتاد تثبت أطراف القماشة في الأرض ، إذاً فائدة قماشة الخيمة أن تحمينا من حرارة الشمس والمطر وخلافه ، ولابد أن تكون ملامسة للأرض من جميع أطرافها  ، وفائدة الأوتاد تثبيت الخيمة من جميع أطرافها في الأرض ، ولابد للوتد أن يكون جزء الرسوخ في الأرض أطول من البروز ليثبت الخيمة جيدا ، وفائدة  عامود الخيمة ، حفظ قماشة الخيمة مرتفعه فى مكانها . 
فعندما شبه الله تعالي الجبال بالأوتاد ، ثم تبين بعد التطور العلمي بأن جذور الجبال عمقها في الأرض ضعف بروز الجبل خمسة عشر مرة ، بدأ العلماء في البحث على باقى أجزاء الخيمة على الأرض ، فلم يبقى لنا إلا قماشة الخيمة ، والعامود الذي سيرفع  
القماشة ، فوجدوا أن قماشة الخيمة تماثل الغلاف الجوي ، حيث أنه يحيط بالأرض ويلامسها في جميع الأطراف ، وكذلك يحمينا من الأشعة الضارة للشمس ، ومن الشهب ، والنيازك ، وخلافة ، فالغلاف الجوي يقوم بدور قماشة الخيمة تماماُ ، أما عامود الخيمة فتقوم به الجاذبية الأرضية ، والتي  تجذب الغلاف الجوي حول الأرض بإستمرار ، حتي لا يفلت من الأرض ويتناثر في الفضاء ، تاركاً الأرض بدون غلاف جوي ، وبالتالي بدون حياة علي سطح الأرض .
إذا الصورة الأن أصبحت مكتملة ، نحن البشر نعيش الأن في خيمة كبيرة ، قماشتها الغلاف الجوي ، وعمودها قوة الجاذبية الأرضية ، وأوتادها هي الجبال ، وكما أن قماش الخيمة لا يثبت ولا يستقر إلا بالأوتاد ، كذلك فإن الغلاف الجوي للأرض لا يثبت حول الأرض ولا يستقر ، إلا بوجود الجبال ، إذاً الجبال تعمل على تثبيت الغلاف الجوي .

ولقد توصل العلماء في هذا الأمر إلى حقائق مذهلة ، يكاد لا يصدقها العقل البشري .
قاموا بوزن الأرض بالجبال ، ووجدوها تساوي 6600 مليون مليون مليون طن ، ثم  
 قاموا بوزن الجبال فقط فوجدوها تساوي 100 مليون مليون مليون طن .
وبالتالي إستطاعوا حساب وزن الأرض بدون الجبال ، بطرح وزن الجبال من وزن الأرض الكلي فكانت 5500 مليون مليون مليون طن ، و قام العلماء بتطبيق قانون الجذب العام لنيوتن : - والذي ينص على أن أي كتلتين في الوجود بينهما قوة تجاذب ، وهذه القوة تتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين المتجاذبتين ، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما ، أي أن قوة الجاذبية تزداد بزيادة كل من الكتلتين وتنقص بنقصهما ، كما تزداد بنقص المسافة ، وتقل بزيادتها . 



و بتطبيق هذا القانون توصل العلماء إلى أن وزن الأرض بدون الجبال ، لم ولن تستطيع المحافظة على الغلاف الجوي حولها ،  والذي يبلغ وزنه 5 مليون مليون مليون طن . 
فلولا وجود الجبال على الأرض ، لتفلت الغلاف الجوي من الأرض وتناثر في الفضاء ولأصبحت الأرض بدون غلاف جوي وبالتالي بدون حياة ، وتوصل العلماء إلي أن  وجود الجبال على الأرض عمل على زيادة كتلة الأرض ووزنها ، وبالتالي زاد من 
جاذبيتها ، وبالتالي استطاعت جذب الغلاف الجوي حولها ، فلولا وجود الجبال على الأرض ، لإستحالت الحياة على كوكب الأرض .

 أنواع الجبال
 
يوجد ثلاثة أنواع من الجبال هي كالتالي : - 
1 - الجبال المنفردة : - وتكثر في المناطق البركانية .



2 - السلاسل الجبلية : - وهي أشرطة طويلة تمتد عشرات ، ومئات الكيلومترات .



3 - الأحزمة الجبلية : - و تتألف الأحزمة الجبلية من سلاسل متصلة وتمتد آلاف الكيلومترات ، أكبرها الحزام الألبي ـ الهيمالايا ، وحزام سلاسل آسيا الوسطى ،
ويغلب على الجبال السلاسل والأحزمة ، توزعها على أطراف القارات وسواحلها ، ففي الوطن العربي تقع أهم الجبال على سواحل البحر المتوسط ، مثل جبال بلاد الشام والأطلسي في المغرب العربي ، وعلى جانبي البحر الأحمر .

والأن تعالو نتعرف على الأشكال المختلفة للجبال ، وهى كالتالى : - 
1 - الجبل المتطوي  
هذا الشكل ينشأ عن التثني في طبقات الأرض ، مثال ذلك أن قشرة الأرض المنبسطة يقع عليها الضغط من جانبيها ، فتنحصر الطبقة بينهما ، وينتج عن ذلك أن الطبقة تضيق بالوضع التي هي فيه ، تريد أن تنكمش فلا تستطيع ، وبالتالي تنثني وتظهر فيها طية أو طيات ، ترتفع عن سطح الأرض فتظهر كالقبة ، ويسمى الجبل الناشئ بالجبل المتطوي أي : الذي لو كشفت عن باطنه لوجدته يتألف من طية في الصخر من بعد طية. ومن أمثلة ذلك جبال الأطلس في المغرب ، وجبال الألب في سويسرا ، وجبال اليورال في روسيا .



2 - الجبل المتصدع 
وهو جبل يعطيك وجها منه كالصفحة انبساطا . وهو ينشأ عندما تعمل القوى الباطنية في 
صخرالقشرة الأرضية ، بحيث لا تكتفي بثنيها ، فيكون من جراء ذلك كسرها وانصداعها ونصف منها يصعد وهو الجبل ، ونصف يهبط فلا تراه العين ، أو قد تراه ولكن منخفضاً 



3 - الجبل البركاني 
ويبدأ تكونه بخروج حمم من باطن الأرض ، ينثقب لها سطح الأرض ، وتتراكم هذه الحمم  طول فترة نشاط البركان ، وتبرد ويتألف منها الجبل ، وقد اطلع الناس على جبل بركاني ظهر حديثاً في المكسيك ، وبالتحديد في عام 1943 بدأ بأن خرج من أرضه سحابة كثيفة من دخان ، ومضى يوم فإذا بكومة من صخر ورماد ، تكونت حول الفوهة التي خرج منها الدخان ، وكان ارتفاعها 30 م وظل البركان يقذف بحممه وظل الركام يزيد ، وبلغ ارتفاعه 150 م بعد أسبوعين ، وبلغ 320 م في ثمانية أشهر ، وتوقف نشاط البركان في عام 1952 وكان ارتفاعه قد بلغ 450 م .




والجبال البركانية لا يخفى شكلها على أحد ، فشكلها كشكل المخروط ، أو القمع الهائل والكثير من جبال الأرض جبال بركانية عظيمة ، تكونت قبل ظهور الإنسان على ظهر الأرض بملايين السنين . ومن أشهر هذه الجبال جبل كليمانجارو في سهول أفريقيا عند خط الاستواء ، وارتفاعه يبلغ 6500 قدماً . ومن أشهرها أيضا جبل فوجي ياما وهو جبل اليابان المقدس ويبلغ ارتفاعه 4100 م .

4 - الجبال المقببة
وهي جبال كادت أن تكون جبالا بركانية ، وذلك أنها بدأت بأن الصخرالمنصهر في باطن الأرض ظل يبحث لنفسه عن مخرج من سطح الأرض ولم يوفق ، فتدفق الصخر المنصهر في شقوق عديدة من الأرض ، ولكنه لم يقوى على اختراق القشرة كلها ، فتكون نتيجة ذلك قبة , وهو الجبل فوق سطح الأرض .





إستوقفتني آية في كتاب ربي : - 
قال تعالى : - ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) سورة النمل أية 88 .
قبل الخوض في معنى هذه الأية ، أوضح لحضراتكم ثلاث نقاط هامة وهي : -

 1- الجبال يوم القيامة لا وجود لها ، لأنها سوف تتناثر وتنسف ، كما في قوله تعالى (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) سورة طه أية 105 ، فكيف ينظر الإنسان إلى الجبال المنسوفة ، وليس عنده مجال يومئذٍ للتأمل في الجبال أو غيرها ،  في وقت تسوده الأهوال والشدائد .
 2- قوله تعالى (تحسبها جامدة ) يكون في الدنيا وليس في الآخرة ، فالدنيا دار الظن والحسبان ، بينما الآخرة دار اليقين ، كما في قوله تعالى : - ( ثم لترونها عين اليقين ) سورة التكاثرأية 5 .
 3- وقوله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء ) يشير إلى الدنيا ، لأن الخراب والدمار والنسف يوم القيامة ، لا يسمى صنعاً ولا يدخل في حيز الإتقان .

 ويقول فضيلة الإمام الشيخ الشعراوي : - أن التشبيه القرآني بقوله (مر السحاب) ، يجعلنا نتساءل لماذا لم يقل الله سبحانه (مر الرياح) ، أو (مر الأمواج) ، أو أي لفظ آخر؟
 لأن السحاب لا يتحرك بنفسه ، بل تدفعه قوة الرياح ، وبهذا ينبهنا الله تعالى أن حركة الجبال هنا ليست حركة ذاتية كحركة الأرض ، وليست حركة ذاتية كحركة الرياح ، ولكنها تمر أمامكم مر السحاب أي : تتحرك بحركة الأرض ، وإلا فلماذا لم يقل الله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تسير ، أو وهي تجري ، أو وهي تتحرك ؟ ، لأنه سبحانه وتعالى يستبعد الألفاظ التي تعطي للجبال ذاتية الحركة وهذا إعجاز .   
إن هذه الاية تحتوي على حقيقة علمية ، لم تكن معروفة وقت نزول القرآن الكريم ،  بل لم يتمكن البشر من كشفها ، إلا بعد مرور حوالى  ألف عام من نزول القرآن الكريم . 
فالآية تتحدث بكل وضوح عن ظاهرة عجيبة ، وهي أن الناظر إلى الجبال تبدو له جامدة أي ساكنه ، ولكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك ، بل إنها في حركة دائبة .
فالسحاب عبارة عن بخار ماء متجمع ، ولا يستطيع الحركة بنفسه وكأنه جثة هامدة ، والرياح هي التي تحمله ، وتدفعة وتحركه من مكان لأخر ، فالوضع أشبه بشخص يحمل طفل صغير علي كتفه ويجري به ، فالطفل لا يتحرك بنفسه ، بل محمولاً علي كتف هذا الشخص ، وكذلك الجبال فهي ثابته ، ساكنه لا تتحرك ( مثل السحاب ) ، ولكن الأرض تحمل الجبال تتحرك بها ، وتدور حول نفسها بسرعة فائقة قدرها 1760 كم / س  فالناظر علي الأرض من الفضاء سيري حركة الجبال تماماً ، كما نري نحن حركة السحاب  من سطح الأرض ، فسبحان من خلق فسوى ، وقدر فهدى .




لقد سبق لكفار قريش أن اتهموا سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، بالجنون وعلى الأغلب أن  فرحتهم كانت غامرة ، عندما نزلت هذه الآية ، حيث أنهم وجدوا فيها على حسب زعمهم ، ما يثبت هذا الجنون ، فلا بد أنهم قالوا للناس كيف تصدقون هذا الرجل الذي يقول أن هذه الجبال الراسخة الثابتة تتحرك ، كما تتحرك السحب في السماء! ، وبينما كان رسولنا صل الله عليه وسلم يعجب من بديع صنع الله ، كان كفار قريش ، يسخرون ويضحكون ، وصدق الله العظيم القائل في كتابه : -  ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ. بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ . وَإِذَا ُذكِّرُوا لايَذْكُرُونَ . وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ )  سورة الصافات آيات من 11- إلى 14 .




وعلى العاقل أن يتساءل عندما يتدبر هذه الآية ، عن المصلحة التي سيجنيها سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، لو كان هذا القرآن من تأليفه من تصريحه بهذه الحقيقة العجيبة ، التي لا يمكن لعقول البشر أن تستوعبها ، بل سيقابلوها بالرفض والتكذيب والسخرية .
ومما يؤكد هذا الأمر أن مفسري القرآن الكريم القدامى ،عندما أرادوا أن يفسروا هذه الآية أشكل عليهم الأمر ، ولم يتمكنوا من التوفيق بين كون الجبال تبدو للناظر ساكنة ، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك بل تتحرك كما يتحرك السحاب في السماء ، فكان المخرج من هذا المأزق ، أن قالوا أن هذا المشهد هو من مشاهد يوم القيامة .




إن منتهى الإتقان في الصنع أن يعيش البشر على ظهر أرض يتحرك سطحها بسرعة  تصل إلى ألف وسبعمائة وستون كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء ، وتدور بكاملها حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة ، وتدور مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة بسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة ، أما المجرة فتندفع بما فيها من نجوم في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة ، ثم لا يحسون أبدا بهذه الحركات ، بل إن بعضهم يرفض أن يصدق أن الأرض تتحرك بمن عليها ، إن من أكبر النعم التي أنعم الله بها على البشر، أنهم يعيشون آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض ، التي تسبح في هذا الكون بسرعات خيالية دون أن يشعروا بها ودون أن تصطدم بهذا العدد الهائل من النجوم والكواكب التي حولها ، وصدق الله العظيم القائل : - ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم 33-34.

نكتفي بهذا القدر من معلومات حول الجبال ، على أن نبدأ الحلقة القادمة إن شاء الله في موضوع جديد ، وأكرر دعوتي لحضراتكم  بأن من لديه أي سؤال في الحلقات الثمانية عشر الماضية ، سرعة إرساله ، ليتسني لي تحضير حلقة عن إجابات علي أسألتكم ، يسعدني تواصلكم معي ، اسأل الله تعالي أن ينفعنا بهذه الحلقات ، وأن يرزقنا الإخلاص ، وأن يجعل كل متابعي الخواطر معاً في الأخرة ، في الفردوس الأعلى ، اللهم آميين .
استودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الثلاثاء، 18 فبراير 2014



الحلقة السابعة عشر


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : -
أهلاً ومرحباً بكم لنكمل حديثنا في كتاب الله المنظور ، فعلي بركة الله نبدأ حلقة اليوم ،
وسوف تكون عن الجبال .
لقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم بلفظها 29 مرة ، وذكرت بصفتها كرواسي 9 مرات  ، قال الله تعالي : - ( أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت . وإلى السماء كيف رفعت . وإلي الجبال كيف نصبت . وإلي الأرض كيف سطحت ) سورة الغاشية آيات من 17 إلي 20 .




ذكر الله تعالي الجبال في هذه الأية ، مقترنة بذكر السماء والأرض ، دليلاً علي أهميتها القصوي ، ونلاحظ هنا أن الجبال جاء ذكرها بعد السماء وقبل الأرض ، لما بين رفعة السماء وإرتفاع الجبال من تناسب ، وما بين نصب الجبال وبسط الأرض من تقابل .

سؤال مما تتكون الجبال ؟ وكيف تتكون ؟ .
تتكون الجبال من صخور ، تصنعها تحركات تحدث في القشرة الأرضية ، نتيجة لضغوط هائلة تنشأ في قشرة الأرض في شتى الإتجاهات ، وتنشأ هذه الضغوط غالباً من تحول الطاقة الحرارية المخزونة في باطن الأرض إلي طاقة ميكانيكية ، وهذا يؤدي إلي  احداث طيات ينتج عنها انحناء قشرة الأرض في تحدب إلي أعلي في مكان ما ، يصاحبه تقعر في انخفاض جزء أخر من القشرة الأرضية لأسفل .
ولا شك أن هذه الضغوط التي ُتحدث نتوءات علي هيئة جبال ، ترتفع لعدة كيلومترات ، وفوق مساحات تبلغ ألاف من الكيلومترات ، إنما هي ضغوط قوية وعارمة ، تفوق في طاقاتها الوصف والخيال .
قال تعالي : - ( وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ) سورة الرعد أية 3 .
فالرواسي تمثل الجبال المرتفعة ، والأنهار تمثل المنخفضات ، فسبحان الله الذي جعل الأرض تعلو في مكان ، وتنخفض في مكان آخر .
وكما ذكرنا سابقاً في حلقة الغلاف المائي للأرض ، أن قيعان المحيطات أشد وأكثر جبالاً ، من الجبال الموجودة علي اليابسة ، وقد تم اكتشاف سلاسل جبلية تمتد بطول المحيط الأطلسي ، تقسمه نصفين شرقي وغربي ، وأخري في المحيط الهندي ، وثالثة في المحيط الهادي .

وصف الله تعالي الجبال بالرواسي وهي السفن ، فهل هناك علاقة بين الجبال والسفن ؟ .
الراسية في الأصل هي السفينة ، وسميت رواسي لأنها ترسو أي تطفو علي سطح الماء سواء كان  ماء بحر أو نهر ، ولكي تطفو السفينة علي الماء ، لابد أن تكون كثافتها أقل من كثافة الماء ، مع العلم أن كثافة الماء تساوي 1 جم / سم3 .






ولحساب كثافة السفينة ، نقوم بوزن السفينة بما فيها ، ومن فيها من معدات ، وأغراض وركاب ، ثم نقسم وزن السفينة علي حجمها ، يعطينا كثافة السفينة ، ولابد أن تكون أقل من كثافة الماء ، وإلا تغرق السفينة .
إذاً السفينة تطفوا علي سطح الماء ، لأن كثافتها أقل من كثافة الماء ( احفظوا هذه  الجملة
جيداً ) .



 نأتي الأن إلي الجبال : - نجدها تطفوا علي منصهر بركاني وهو وشاح الأرض
ولأن كثافة الجبال 2،6 جم / سم3 ، بينما كثافة طبقة الوشاح 4،5 جم / سم3 . فإن الجبال تطفو علي طبقة الوشاح ، لأن كثافتها أقل من كثافة طبقة الوشاح .
أذا الخلاصة في هذه النقطة ، أن السفينة تطفو علي سطح البحر ، أو النهر لأن كثافتها أقل من كثافة الماء ، وكذلك الجبال تطفو علي سطح الصهيل البركاني أي ( وشاح الأرض ) ، لأن كثافة الجبال أقل من كثافة الصهيل البركاني .
فإذا كانت كثافة السفينة مثل أو أكبر من كثافة الماء ، غرقت السفينة علي الفور ، وكذلك الجبال لو كانت كثافتها مثل أو أكبر من كثافة طبقة الوشاح ، غرقت الجبال فوراً لأسفل في طبقة الوشاح ، ومنها إلي أعماق الأرض  .
ويشير القرآن الكريم إلي أن الجبال جزء لا يتجزأ من قشرة الأرض الصلبة ، فإذا اهتزت الأرض ، اهتزت الجبال معها لشدة ارتباطها بالأرض قال الله تعالي : - ( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً ) سورة المزمل أية 14 .

سؤال هل هناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان ، ولماذا الجبال دائما تنافس وتسابق الإنسان في مرضات الله  ، و معرفة حقوق الله سبحانه وتعالي ؟ .
ذكر الله تعالي في مواضع عديدة من كتابة العزيز ، أن الجبال تسابق الإنسان في معرفة الله والخوف منه ، فهناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان ، في معرفة حقوق المولى عز
وجل ، من تسبيح دائم ، وسجود ، وتصدع للجبال من خشية الله ، وإشفاق الجبل من 
حمل الأمانة ، قال تعالى : - ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء) سورة الحج أية 18 .
وقال تعالى : - ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) سورة الحشرأية21 .




وقال تعالى : - ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) سورة الأحزاب أية 72 .
بالرغم من ضخامة الجبال وعظمتها ، إلا أن هناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان ، فالجميع يعبدون رب واحد ، فالجبال تصلي وتسبح لله عز وجل ، ولكن بلغة لا نعلمها ولا نعرفها ، إنما يعرفها خالقها جل شأنه .

قال تعالى : - (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ ) .
تعالو نقرأ ، ونتأمل ، ونتدبر ، في هذه الأية الكريمة  ، من كتاب رب السماوات 
والأرض ، والجبال ،  وصف الله عز وجل ، الجبال بأنها متاع للإنسان ، والأنعام  .
والسؤال الأن : - هل هناك فرق بين المتاع والزينة ، وكيف تكون الجبال متاع للإنسان والأنعام ؟ .
تعالو نعرف الفرق بين الزينة ، والمتاع ، تعرف الزينة : -  بأنها اسم لكل شيء يتزين به ، وزان الشيء زيّنه أي حسّنه وجمّله وزخرفه . 
أما تعريف المتـــاع : - فهو كل شيء ينتفع به ويتلذذ به ، ويأتي عليه الفناء في الدنيا .
فالمتاع يرمز لكل المنافع ، والفوائد ، والخدمات التي ُتقدم للإنسان  .
ويعتبر المتاع أكثر منفعة من الزينة ، ولبيان ذلك نجد أن الإنسان بإمكانه أن يعجب بزينة منزل جميل ، ولكنه لا يستمتع به إلا إذا عاش فيه .

سؤال : -  لماذا قال الله تعالي : - ( متاعاً لكم ولأنعامكم ) ، ولم يقل : - ( زينة لكم ولأنعامكم ) ؟ .
الإجابة : - أن كلام الله سبحانه وتعالى يأتي بقدر المعنى تماماً ، وفي غاية الدقة ليعبر عن الشئ تعبيراً كاملاً ، فلا تجد كلمة مترادفة أو بلا معنى ،  فقد وصف سبحانه وتعالي فائدة الجبال بأنها تحقق المتاع لكل من الإنسان والأنعام على السواء ، ولقد استخدم المولى عز وجل كلمة "متاع" في الآية القرآنية السابقة ، ولم يستخدم كلمة "زينة" ، وذلك لأن لفظ المتاع ، أعم وأكثر منفعة من الزينة ، والمتاع يشمل الجانب المادي ، والجانب المعنوي للإنسان والأنعام على السواء .
فلا يمكن الإستغناء عن المتاع ، لأنه من الضروريات ، بينما تعتبر الزينة من الكماليات.

سؤال  كيف ُتحقق الجبال الراسيات المتاع للإنسان  والأنعام  ؟؟ .

أولا: - معجزة إلقاء الجبال ، ومتاع الثروات المعدنية .
قال تعالي : - ( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) 
سورة الحجر أية 19 ، ففي هذه الأية أشار الله تعالي إلي عملية تكوين الجبال ، والتي لم يكتشفها العلم إلا حديثاً ، وهذا إعجاز علمي بالغ الدقة ، يبين أن عملية تكون الجبال على سطح الأرض ، حدثت بطريقة الإلقاء على الأرض ، وهذا الإلقاء تم جيولوجيًا عبر العصور ، نتيجة حدوث البراكين وما يقذفه من باطن الأرض الملتهب من خروج للحمم البركانية إلى الأعلى ، ثم عودتها مرة أخري لتستقر على سطح الأرض ، لتتكون الجبال
عن أنس بن مالك ، عن النبي صل الله عليه وسلم قال : - ( لما خلق الله الأرض جعلت تميد ، أي تهتز وتضطرب ، فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت ) ، أخرجه الإمام أحمد في مسنده .
وتحتوي السلاسل الجبلية المتنوعة ، على ثروات معدنية نفيسة (مايزيد عن 200 معدن 
تقريباً ) ، وقد يوجد المعدن في صورة عنصرية ، وذلك مثل الذهب ، والكبريت ، والجرافيت ، أو قد يتكون نتيجة حدوث اتحاد كيميائى بين عنصرين ، أو أكثر لتكوين مركب كميائى ثابت .
مما سبق يتبين لنا أنه من تمام نعم الله على الإنسان ، أنه ألقى الجبال على ظهر الأرض ليحقق المتاع العظيم للإنسان ، حتى يستفيد ، وينقب عن الثروات المعدنية النفيسة ، التي تخرج من باطن الأرض ، والتي تشكل قاعدة التطور الصناعي والإقتصادي ، وأهمية استراتيجية لكل بلدان العالم ، كما تستخدم الأحجار الجبلية في البناء والتشييد .

ثانياً : - معجزة الجبال الرواسي ومتاع الإستقرار النفسي للإنسان .
لقد أثبت العلم الحديث ، أن للجبال جذوراً في أعماق الأرض ، ولقد وصف القرآن الكريم الجبال ، بأن لها أوتاد قال تعالي : - ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) سورة النبأ أية 7 .
مما يتفق تمامًا مع دور الجبال على أطراف القارات (الألواح) في تثبيت الأرض ، وهي ضمان لثبات القشرة الأرضية ، ومنعها من أن تضطرب ويختل توازنها  ،
قال تعالى : - ( وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) سورة النحل أية 15 .





ثالثا :  - متاع البناء الآمن .
عرف الإنسان منذ القدم  أن الجبال الراسيات تحقق له الأمن والآمان ، فالتف حولها يسكن عليها ، وعلى سفوحها ، لكي يشعر بالسكن والراحة  والطمأنينة .
ومازالت الجبال وإلى قيام الساعة ، هي المصدر الرئيسي للصخور ، والأحجار ،  والأسمنت ، وجميع لوازم مواد البناء ، حتى يستطيع الإنسان أن يبني البيوت ، والقصور ، والطرق ، والجسور ، والأنفاق ، والسدود ، وبيوت الأنعام المناسبة .
 قال الله تعالى في كتابه الكريم : -  ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا ) سورة النحل أية 81 .



( جبل أحد في المدينة المنورة )

وكذلك فإن الصخور الجبلية تستخدم في أغراض صناعية هامة ، كما تستخدم في أغراض البناء والتشييد ، مثل الحجر الجيري ، والحجرالرملي ، والرخام ، ولقد أشار المولى سبحانه لأهمية الجبال في البناء والتعمير، قال تعالي : - ( وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين ) سورة الشعراء الأية 149 .

رابعاً: متاع الإنسان بألوان الجبال .
قال تعالى : -  ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ) سورة فاطر الآية 27.




فالجبال ذات اللون الأبيض : - تكون غنية بالحجر الجيري ، والرمل الأبيض .
والجبال ذات اللون الأحمر : - تكون غنية بالمعادن من الذهب ، والنحاس  .
والجبال ذات اللون الأسود : - تكون غنية بالحديد والرصاص .




وقد اكتشف العلماء أن للألوان تأثيراً بالغاً على صحة الإنسان النفسية ، وهي تعدل الطبع والمزاج ،  وتأثير ألوان الجبال على حياة البشر لا يخفى على أحد ، فهي ألوان تبعث الهدوء والراحة في النفس . ولقد أشار الله تعالي  إلى تعدد الألوان المركبة من اللونين الأبيض والأحمر ، فذكر عبارة "مختلف ألونها" بعد قوله تعالى "بيض وحمر" .
والحقيقة إن تعدد ألوان الجبال ما بين الأبيض ، والأحمر ، والأسود ، والألوان المركبة منهم ، أو امتزاج أحدها بالآخر ، لجمالاً يبهر العين ويبعث السرور والراحة والطمأنينة .


خامساً : - متاع الإنسان بالمنتجات الجبلية

1 -  الصيدلية الجبلية المتكاملة
لقد انتشرت خلال السنوات الأخيرة ، ظاهرة العلاج بالأعشاب والنباتات الطبية ، في كثيرمن دول العالم ، وإجمالا نستطيع أن نقول أن الأماكن الجبلية ، تحتوي علي منتجات نباتية عظيمة القيمة الغذائية ، كما تمثل صيدلية متكاملة ، ممتلئة بأجود أنواع الأعشاب الطبيعية التي تخرج من أحضان الطبيعة ، والتي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض 
2 - العسل الجبلي
قال تعالي : - ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل أية 68.
لقد ألهم الله عز وجل النحل لصنع بيوتهم ، من ثلاثة أماكن على نفس ترتيب الآية : - الجبال ، الشجر ، و مما يعرشون .







ولذلك نجد أن أكثر بيوت النحل في الجبال ، ثم الشجر ، ثم فيما يعرش الناس ويبنون بيوتهم ، وذلك حتى يتيح للحشرة الصغيرة ، الإستفادة من البيئات المختلفة ، وإنتاج عسل مختلف اللون  . وكذلك نجد أن أرقى وأجود أنواع العسل ، هو عسل نحل الجبال ، لما يحوية من المعادن الجبلية الهامة مثل عنصر الحديد ، ثم عسل نحل الشجر ، ثم عسل نحل البيوت بالترتيب الذي أشار إليه المولى عز وجل .

سادساً : - الاستخدام الطبي لبعض الصخور والمعادن
تستخدم الأحجار الطبيعية في حفظ صحة العين ، وتقويتها للرجل والمرأة ، والصغير والكبير، وذلك بعمل الكحل العربي الذي يستخرج من حجر الاِثْمِدَ ، والمعروف علمياً بإسم الأنتيمون ، وهذا الحجر من أفضل أنواع الكحل المكي ، و قد أتى العلم الحديث ليؤكد فوائد استخدامه .




( صورة لحجر الأثمد )

 ومن الإعجاز النبوي ، أن رسول الله صل الله عليه وسلم ، أهدى الأمة الإسلامية هذا الحجر: - فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : - ( إنّ مِنْ خَيْرِ أَكْحَالِكُمُ الاِثْمِدَ إنّهُ يَجُلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعَرَ)  رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد وقال الترمذي : حديث حسن  .

نظرة علي الجبال 
الجبال عبارة عن جزءين ، جزء فوق سطح الأرض ويسمي بروز ، وهو ما نشاهده بأعيننا ، والجزء الأخر تحت الأرض ويسمي رسوخ وهذا ما لا نستطيع مشاهدته بأعيننا .
قال تعالي : - ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا ) سورة النبأ آيات 6 ،7 .
 فالجبال تشبه الأوتاد من حيث بروزها عن سطح الأرض من جهه ، ومن حيث رسوخها في أعماق الأرض من جهه أخري ، وبعد التطور العلمي ، والإكتشافات العظيمة ، توصل العلماء إلي أن منطقة الرسوخ في الجبال تساوي منطقة البروز خمسة عشر مرة .




 بمعني إذا كان طول الجبل 1 كم ، فإن عمقه في الأرض 15 كم ، وإذا كان طول الجبل 5 كم ، فإن عمقة = 5× 15 = 75 كم ،  وبالنسبة لقمة أفرست في جبال الألب والتي يبلغ إرتفاعها  9 كم ،  فإن عمقه يصل إلي 135 كم ، وهكذا مع كل الجبال .  
إن منطقة الرسوخ في الجبال  والتي توجد تحت الأرض ، تعمل علي تثبيت قشرة الأرض في وشاحها ، أما الجزء العلوي في الجبال فله أهمية قصوي ، سنتعرف عليها بالتفصيل ، ضمن فوائد الجبال ومدي أهميتها  في حياتنا ، في حلقة رائعة جديدة الأسبوع القادم بمشيئة الله .
وفي نهاية الحلقة أوجه دعوة لكل متابعي الخواطر ، بأن من لديه سؤال في الحلقات السبعة عشر  الماضية ، يبادر بإرساله حتي يتسنى لي إعداد حلقة خاصة للإجابة علي أسئلة حضراتكم ، ويسعدني تواصلكم معي ، وشكري وإحترامي وتقديري لكل متابعي الخواطر والذي بلغ عددهم حتي كتابة هذه الحلقة 1904 متابع ، من دول مختلفة وهم مصر، والسعودية ، والإمارات ، والمانيا ، والصين ، والولايات المتحدة الامريكية ، وفلسطين ، العراق ، الأردن ، أيرلندا .
أترككم في رعاية الله وأمنه ، علي أمل اللقاء بحضراتكم في الحلقة القادمة إن شاء الله .
أستودعكم الله . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الحلقة الثلاثون  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : - أهلاً ومرحباً بكم ، لنكمل حديثنا في كتاب الله المنظور ، فعلى بركة الله نبدأ حلقة ...