الأربعاء، 26 فبراير 2014



الحلقة الثامنة عشر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : -
أهلاً ومرحباً بكم ، لنكمل حديثنا في كتاب الله المنظور ، فعلى بركة الله نبدأ حلقة اليوم ، 
وسنكمل فيها حديثنا عن الجبال ، فوجود الجبال علي كوكب الأرض نعمة كبيرة ، لا يعلمها كثير من الناس  ، كما أن للجبال فوائدُ عديدة ، علمت البشرية بعضًا منها وهى كالتالي : -

1- الجبال تحفظ توازن حركة الأرض .
 أصبح من المعروف للجميع ، أن الأرض تدور حول نفسها بسرعة 1670 كم / الساعة ، دورة كاملة حول محورها في فترة زمنية تعادل يوماً  ، وطول اليوم عند العوام يساوي 24 ساعة ،  وطول اليوم عند العلماء يساوي 23 ساعة و56 دقيقة و  4،0906 ثانية .
وتدور الأرض حول محورها بحركة مغزلية ، وأي جسم يدورحول نفسه بحركة مغزلية ، من الطبيعي أن يميد و يضطرب ، إلا إذا كان هناك تماثل في الكتلة على جانبى محور
الدوران   ، وحيث  أن الأرض لا تميد فى دورانها ولا تضطرب ، بدليل عدم شعورنا بهذا ، فإنه لابد أن تكون الجبال موزعة على مختلف بقاع الأرض ، بما يكفل لها أن تتماثل في الكتلة على جانبى محور الدوران ، وهو ما يتفق مع علم الجيولوجيا الحديث ، قال الله تعالى : - ( وجعلنا في الأرض رواسى أن تميد بكم ) سورة الأنبياء أية 31 .

2 - الجبال مصدر الماء العذب والأنهار .
قال الله تعالى : - ( وجعلنا فيها رواسى شامخات وأسقيناكم ماءاً فراتاً ) سورة المرسلات
أية 27 ، هذه الأية تحتوى على معجزة علمية ، لأنها تربط بين الجبال العاليات بالذات ، وبين الماء العذب في الأنهار ، وهو ما يشير إلى ظاهرة الثلج الدائم ، الذي يتراكم على قمم الجبال ، وتكون درجات الحرارة فيها دائماً تحت الصفر إذا زاد إرتفاع الجبل عن حد معين ، وهذا يتوقف علي موقع الجبل من خط الإستواء ، فمثلاً تظهر الثلوج الدائمة على إرتفاع 1،2 كم على الجبال في النرويج  ، كما تظهر الثلوج الدائمة علي جبال الألب علي إرتفاع 2،7 كم ، وعلي جبال وسط أفريقيا علي إرتفاع 5،5 كم ، إن ظاهرة تراكم الثلوج بشكل مستمر فوق قمم الجبال الشوامخ ، لها الفضل بعد الله سبحانه و تعالي في تغذية الأنهار بالماء العذب ، نتيجة لذوبان بعض الثلج بإستمرار ، لضغط طبقاته العليا علي طبقاته  السفلى .




سؤال : - هل تنفذ هذه الثلوج بإستمرار ذوبانها ؟ .
الإجابة : - لا تنفذ ، لأنها كما تسيل بإستمرار تتجدد أيضاً بإستمرار ، بتكثيف بخار الماء الموجود دائماً في الجو المحيط بقمم الجبال ، ولولا هذه الظاهرة العجيبة لجفت الأنهار، 
عندما ينتهي موسم الأمطار عند منابعها ، ولذلك لا يوجد نهر بدون جبال عالية شامخة ، فلولا الجبال لما كانت الأنهار ، فالجبال منابع الأنهار ، ولقد جاءت كلمة ماء نكره في الأية الكريمة لتفيد العموم ، بحيث يشمل الماء الناتج عن الأمطار ، والماء المنحدر من  
الرواسي الشامخات .

 3 - الجبال مصدر نفاس المعادن وكرام الأحجار
فمن أين نحصل على المعادن النفيسة كالذهب والفضة ؟ ، بل والمعادن العادية كالحديد والنحاس والرصاص والألمونيوم ؟ ، ومن أين نحصل على الأحجار الكريمة كالزمرد ، والعقيق ، والياقوت ؟ ، ومن أين نحصل على الأحجار التي نستخدمها في البناء كالحجر الجيري ، والجرانيت ، والرخام ، فضلاً على الرمل ، والحصباء ؟ . 
نحصل على كل ذلك وغيره من الجبال ، نعم فالجبال هى مخزون رباني ، لكل تلك الثروات .

4 - الجبال تعمل علي تثبيت قشرة الأرض في وشاحها .
إن أول شيء خلقه الله بعد الأرض ، كان خلق الجبال وخاصة البركانية منها ، وهذا الإكتشاف كان سبب في إسلام عالم كبير يسمى موريس بوكاى جراح فرنسي
فالجبال تعمل على تثبيت قشرة الأرض في طبقة الوشاح ، كما ذكرت في الحلقة السابقة .

5 - الجبال تثبت الغلاف الجوي
قال الله تعالى : - ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا ) سورة النبأ آيات 6 ،7 .
الأوتاد معروفة للجميع ، يستخدمها الإنسان في تثيبت الأشياء في الأرض كالخيمة ، تعالو ننظرإلى الخيمة ، فهي عبارة عن قماشة الخيمة ، وعامود في المنتصف يرفعها لأعلى ، وأوتاد تثبت أطراف القماشة في الأرض ، إذاً فائدة قماشة الخيمة أن تحمينا من حرارة الشمس والمطر وخلافه ، ولابد أن تكون ملامسة للأرض من جميع أطرافها  ، وفائدة الأوتاد تثبيت الخيمة من جميع أطرافها في الأرض ، ولابد للوتد أن يكون جزء الرسوخ في الأرض أطول من البروز ليثبت الخيمة جيدا ، وفائدة  عامود الخيمة ، حفظ قماشة الخيمة مرتفعه فى مكانها . 
فعندما شبه الله تعالي الجبال بالأوتاد ، ثم تبين بعد التطور العلمي بأن جذور الجبال عمقها في الأرض ضعف بروز الجبل خمسة عشر مرة ، بدأ العلماء في البحث على باقى أجزاء الخيمة على الأرض ، فلم يبقى لنا إلا قماشة الخيمة ، والعامود الذي سيرفع  
القماشة ، فوجدوا أن قماشة الخيمة تماثل الغلاف الجوي ، حيث أنه يحيط بالأرض ويلامسها في جميع الأطراف ، وكذلك يحمينا من الأشعة الضارة للشمس ، ومن الشهب ، والنيازك ، وخلافة ، فالغلاف الجوي يقوم بدور قماشة الخيمة تماماُ ، أما عامود الخيمة فتقوم به الجاذبية الأرضية ، والتي  تجذب الغلاف الجوي حول الأرض بإستمرار ، حتي لا يفلت من الأرض ويتناثر في الفضاء ، تاركاً الأرض بدون غلاف جوي ، وبالتالي بدون حياة علي سطح الأرض .
إذا الصورة الأن أصبحت مكتملة ، نحن البشر نعيش الأن في خيمة كبيرة ، قماشتها الغلاف الجوي ، وعمودها قوة الجاذبية الأرضية ، وأوتادها هي الجبال ، وكما أن قماش الخيمة لا يثبت ولا يستقر إلا بالأوتاد ، كذلك فإن الغلاف الجوي للأرض لا يثبت حول الأرض ولا يستقر ، إلا بوجود الجبال ، إذاً الجبال تعمل على تثبيت الغلاف الجوي .

ولقد توصل العلماء في هذا الأمر إلى حقائق مذهلة ، يكاد لا يصدقها العقل البشري .
قاموا بوزن الأرض بالجبال ، ووجدوها تساوي 6600 مليون مليون مليون طن ، ثم  
 قاموا بوزن الجبال فقط فوجدوها تساوي 100 مليون مليون مليون طن .
وبالتالي إستطاعوا حساب وزن الأرض بدون الجبال ، بطرح وزن الجبال من وزن الأرض الكلي فكانت 5500 مليون مليون مليون طن ، و قام العلماء بتطبيق قانون الجذب العام لنيوتن : - والذي ينص على أن أي كتلتين في الوجود بينهما قوة تجاذب ، وهذه القوة تتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين المتجاذبتين ، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما ، أي أن قوة الجاذبية تزداد بزيادة كل من الكتلتين وتنقص بنقصهما ، كما تزداد بنقص المسافة ، وتقل بزيادتها . 



و بتطبيق هذا القانون توصل العلماء إلى أن وزن الأرض بدون الجبال ، لم ولن تستطيع المحافظة على الغلاف الجوي حولها ،  والذي يبلغ وزنه 5 مليون مليون مليون طن . 
فلولا وجود الجبال على الأرض ، لتفلت الغلاف الجوي من الأرض وتناثر في الفضاء ولأصبحت الأرض بدون غلاف جوي وبالتالي بدون حياة ، وتوصل العلماء إلي أن  وجود الجبال على الأرض عمل على زيادة كتلة الأرض ووزنها ، وبالتالي زاد من 
جاذبيتها ، وبالتالي استطاعت جذب الغلاف الجوي حولها ، فلولا وجود الجبال على الأرض ، لإستحالت الحياة على كوكب الأرض .

 أنواع الجبال
 
يوجد ثلاثة أنواع من الجبال هي كالتالي : - 
1 - الجبال المنفردة : - وتكثر في المناطق البركانية .



2 - السلاسل الجبلية : - وهي أشرطة طويلة تمتد عشرات ، ومئات الكيلومترات .



3 - الأحزمة الجبلية : - و تتألف الأحزمة الجبلية من سلاسل متصلة وتمتد آلاف الكيلومترات ، أكبرها الحزام الألبي ـ الهيمالايا ، وحزام سلاسل آسيا الوسطى ،
ويغلب على الجبال السلاسل والأحزمة ، توزعها على أطراف القارات وسواحلها ، ففي الوطن العربي تقع أهم الجبال على سواحل البحر المتوسط ، مثل جبال بلاد الشام والأطلسي في المغرب العربي ، وعلى جانبي البحر الأحمر .

والأن تعالو نتعرف على الأشكال المختلفة للجبال ، وهى كالتالى : - 
1 - الجبل المتطوي  
هذا الشكل ينشأ عن التثني في طبقات الأرض ، مثال ذلك أن قشرة الأرض المنبسطة يقع عليها الضغط من جانبيها ، فتنحصر الطبقة بينهما ، وينتج عن ذلك أن الطبقة تضيق بالوضع التي هي فيه ، تريد أن تنكمش فلا تستطيع ، وبالتالي تنثني وتظهر فيها طية أو طيات ، ترتفع عن سطح الأرض فتظهر كالقبة ، ويسمى الجبل الناشئ بالجبل المتطوي أي : الذي لو كشفت عن باطنه لوجدته يتألف من طية في الصخر من بعد طية. ومن أمثلة ذلك جبال الأطلس في المغرب ، وجبال الألب في سويسرا ، وجبال اليورال في روسيا .



2 - الجبل المتصدع 
وهو جبل يعطيك وجها منه كالصفحة انبساطا . وهو ينشأ عندما تعمل القوى الباطنية في 
صخرالقشرة الأرضية ، بحيث لا تكتفي بثنيها ، فيكون من جراء ذلك كسرها وانصداعها ونصف منها يصعد وهو الجبل ، ونصف يهبط فلا تراه العين ، أو قد تراه ولكن منخفضاً 



3 - الجبل البركاني 
ويبدأ تكونه بخروج حمم من باطن الأرض ، ينثقب لها سطح الأرض ، وتتراكم هذه الحمم  طول فترة نشاط البركان ، وتبرد ويتألف منها الجبل ، وقد اطلع الناس على جبل بركاني ظهر حديثاً في المكسيك ، وبالتحديد في عام 1943 بدأ بأن خرج من أرضه سحابة كثيفة من دخان ، ومضى يوم فإذا بكومة من صخر ورماد ، تكونت حول الفوهة التي خرج منها الدخان ، وكان ارتفاعها 30 م وظل البركان يقذف بحممه وظل الركام يزيد ، وبلغ ارتفاعه 150 م بعد أسبوعين ، وبلغ 320 م في ثمانية أشهر ، وتوقف نشاط البركان في عام 1952 وكان ارتفاعه قد بلغ 450 م .




والجبال البركانية لا يخفى شكلها على أحد ، فشكلها كشكل المخروط ، أو القمع الهائل والكثير من جبال الأرض جبال بركانية عظيمة ، تكونت قبل ظهور الإنسان على ظهر الأرض بملايين السنين . ومن أشهر هذه الجبال جبل كليمانجارو في سهول أفريقيا عند خط الاستواء ، وارتفاعه يبلغ 6500 قدماً . ومن أشهرها أيضا جبل فوجي ياما وهو جبل اليابان المقدس ويبلغ ارتفاعه 4100 م .

4 - الجبال المقببة
وهي جبال كادت أن تكون جبالا بركانية ، وذلك أنها بدأت بأن الصخرالمنصهر في باطن الأرض ظل يبحث لنفسه عن مخرج من سطح الأرض ولم يوفق ، فتدفق الصخر المنصهر في شقوق عديدة من الأرض ، ولكنه لم يقوى على اختراق القشرة كلها ، فتكون نتيجة ذلك قبة , وهو الجبل فوق سطح الأرض .





إستوقفتني آية في كتاب ربي : - 
قال تعالى : - ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) سورة النمل أية 88 .
قبل الخوض في معنى هذه الأية ، أوضح لحضراتكم ثلاث نقاط هامة وهي : -

 1- الجبال يوم القيامة لا وجود لها ، لأنها سوف تتناثر وتنسف ، كما في قوله تعالى (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) سورة طه أية 105 ، فكيف ينظر الإنسان إلى الجبال المنسوفة ، وليس عنده مجال يومئذٍ للتأمل في الجبال أو غيرها ،  في وقت تسوده الأهوال والشدائد .
 2- قوله تعالى (تحسبها جامدة ) يكون في الدنيا وليس في الآخرة ، فالدنيا دار الظن والحسبان ، بينما الآخرة دار اليقين ، كما في قوله تعالى : - ( ثم لترونها عين اليقين ) سورة التكاثرأية 5 .
 3- وقوله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء ) يشير إلى الدنيا ، لأن الخراب والدمار والنسف يوم القيامة ، لا يسمى صنعاً ولا يدخل في حيز الإتقان .

 ويقول فضيلة الإمام الشيخ الشعراوي : - أن التشبيه القرآني بقوله (مر السحاب) ، يجعلنا نتساءل لماذا لم يقل الله سبحانه (مر الرياح) ، أو (مر الأمواج) ، أو أي لفظ آخر؟
 لأن السحاب لا يتحرك بنفسه ، بل تدفعه قوة الرياح ، وبهذا ينبهنا الله تعالى أن حركة الجبال هنا ليست حركة ذاتية كحركة الأرض ، وليست حركة ذاتية كحركة الرياح ، ولكنها تمر أمامكم مر السحاب أي : تتحرك بحركة الأرض ، وإلا فلماذا لم يقل الله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تسير ، أو وهي تجري ، أو وهي تتحرك ؟ ، لأنه سبحانه وتعالى يستبعد الألفاظ التي تعطي للجبال ذاتية الحركة وهذا إعجاز .   
إن هذه الاية تحتوي على حقيقة علمية ، لم تكن معروفة وقت نزول القرآن الكريم ،  بل لم يتمكن البشر من كشفها ، إلا بعد مرور حوالى  ألف عام من نزول القرآن الكريم . 
فالآية تتحدث بكل وضوح عن ظاهرة عجيبة ، وهي أن الناظر إلى الجبال تبدو له جامدة أي ساكنه ، ولكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك ، بل إنها في حركة دائبة .
فالسحاب عبارة عن بخار ماء متجمع ، ولا يستطيع الحركة بنفسه وكأنه جثة هامدة ، والرياح هي التي تحمله ، وتدفعة وتحركه من مكان لأخر ، فالوضع أشبه بشخص يحمل طفل صغير علي كتفه ويجري به ، فالطفل لا يتحرك بنفسه ، بل محمولاً علي كتف هذا الشخص ، وكذلك الجبال فهي ثابته ، ساكنه لا تتحرك ( مثل السحاب ) ، ولكن الأرض تحمل الجبال تتحرك بها ، وتدور حول نفسها بسرعة فائقة قدرها 1760 كم / س  فالناظر علي الأرض من الفضاء سيري حركة الجبال تماماً ، كما نري نحن حركة السحاب  من سطح الأرض ، فسبحان من خلق فسوى ، وقدر فهدى .




لقد سبق لكفار قريش أن اتهموا سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، بالجنون وعلى الأغلب أن  فرحتهم كانت غامرة ، عندما نزلت هذه الآية ، حيث أنهم وجدوا فيها على حسب زعمهم ، ما يثبت هذا الجنون ، فلا بد أنهم قالوا للناس كيف تصدقون هذا الرجل الذي يقول أن هذه الجبال الراسخة الثابتة تتحرك ، كما تتحرك السحب في السماء! ، وبينما كان رسولنا صل الله عليه وسلم يعجب من بديع صنع الله ، كان كفار قريش ، يسخرون ويضحكون ، وصدق الله العظيم القائل في كتابه : -  ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ. بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ . وَإِذَا ُذكِّرُوا لايَذْكُرُونَ . وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ )  سورة الصافات آيات من 11- إلى 14 .




وعلى العاقل أن يتساءل عندما يتدبر هذه الآية ، عن المصلحة التي سيجنيها سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، لو كان هذا القرآن من تأليفه من تصريحه بهذه الحقيقة العجيبة ، التي لا يمكن لعقول البشر أن تستوعبها ، بل سيقابلوها بالرفض والتكذيب والسخرية .
ومما يؤكد هذا الأمر أن مفسري القرآن الكريم القدامى ،عندما أرادوا أن يفسروا هذه الآية أشكل عليهم الأمر ، ولم يتمكنوا من التوفيق بين كون الجبال تبدو للناظر ساكنة ، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك بل تتحرك كما يتحرك السحاب في السماء ، فكان المخرج من هذا المأزق ، أن قالوا أن هذا المشهد هو من مشاهد يوم القيامة .




إن منتهى الإتقان في الصنع أن يعيش البشر على ظهر أرض يتحرك سطحها بسرعة  تصل إلى ألف وسبعمائة وستون كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء ، وتدور بكاملها حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة ، وتدور مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة بسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة ، أما المجرة فتندفع بما فيها من نجوم في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة ، ثم لا يحسون أبدا بهذه الحركات ، بل إن بعضهم يرفض أن يصدق أن الأرض تتحرك بمن عليها ، إن من أكبر النعم التي أنعم الله بها على البشر، أنهم يعيشون آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض ، التي تسبح في هذا الكون بسرعات خيالية دون أن يشعروا بها ودون أن تصطدم بهذا العدد الهائل من النجوم والكواكب التي حولها ، وصدق الله العظيم القائل : - ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم 33-34.

نكتفي بهذا القدر من معلومات حول الجبال ، على أن نبدأ الحلقة القادمة إن شاء الله في موضوع جديد ، وأكرر دعوتي لحضراتكم  بأن من لديه أي سؤال في الحلقات الثمانية عشر الماضية ، سرعة إرساله ، ليتسني لي تحضير حلقة عن إجابات علي أسألتكم ، يسعدني تواصلكم معي ، اسأل الله تعالي أن ينفعنا بهذه الحلقات ، وأن يرزقنا الإخلاص ، وأن يجعل كل متابعي الخواطر معاً في الأخرة ، في الفردوس الأعلى ، اللهم آميين .
استودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

ليست هناك تعليقات:

الحلقة الثلاثون  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : - أهلاً ومرحباً بكم ، لنكمل حديثنا في كتاب الله المنظور ، فعلى بركة الله نبدأ حلقة ...